أحداث غير متوقعة
فى يوم 160/70 ب.إ كنت أركب إحدى سفن النقل الملكية اثناء ذهابى إلى إحدى المستعمرات المنضمة لنا حديثاً والتى تقع بالقرب من إمبراطورية ضخمة يتصف أهلها بالهمجية والوحشية والقسوة وصعوبة المعاملة وتدعى إمبراطورية البوز وذلك لأعلن إنضمام المستعمرة إلى مملكتنا و أخذ المواثيق من أهلها ، ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان ...
باغتتنا إحدى المركبات الحربية لـ إمبراطورية البوز فدمر ذلك الهجوم الأنظمة الحربية والدفاعية للمركبة فأصبحت هشة سهلة التدمير ، فهرع كل من عليها إلى كبسولات النجاة و هرعت أنا وطاقم القيادة إلى المكوك الملكى المخصص لمثل هذه الحالات الطارئة ، و انفجرت المركبة التى من المفترض أنها ستقلنا إلى وجهتنا .
وكانت السفينة المنفجرة فى الفضاء كما لو أنها قنبلة حديدية انفجرت فى سماء الليل المظلمة فأحالت سواد الليل إلى نهار ، و كبسولات النجاة المتبعثرة كالشهب المضيئة السابحة فى الفضاء ووجهتها مجهولة ، وبسبب إنفجار المركبة تعطلت أنظمة المكوك الملاحية و تعطلت أنظمة القيادة ، فصار المكوك هو الآخر إحدى تلك الشهب المتوجهة نحو المجهول .
وسبح المكوك فى الفضاء ..
" فى الأوقات الصعبة والمحن لا فرق بين الملك و الرعية سوى فى نوعية الأسلحة و الدروع فالكل يواجه نفس الوحش فى النهاية "
كلمات رائعة قالها لى أبى فى إحدى المرات عندما كنا نواجه مشكلة وباء البقرة فى القرية وهو وباء ينتشر بين البشر يجعل الشخص يفقد أعصابه ولا يستريح إلا عندما يشرب لبن الأبقار والذى كان غالى الثمن ويندر وجوده فى قريتنا ، فلم يكن يحصل عليه أحد سوى أغنياء القرية و الحكام المعينين من قبل الفاسد عاطف وعندما سألت أبى لماذا لا يستطيع الجميع الحصول على لبن البقر ويستريحون من الذى أصابهم ، كان جوابه هذه العبارة فى الأعلى ، كنت صغيرة حينها ولم أفهم كلمة واحدة مما قال .
أدركت الآن معنى هذه العبارة .
كنا 6 أشخاص على المكوك : أنا ، القائد عابد ، التقنى عماد ، مسئول الأنظمة الحربية قاهر ، مسئول أنظمة الملاحة شام و الطباخة سارة . فى البداية نظمنا أنفسنا بحيث يأخذ كل منا نصف كوب من الماء يومياً وربع وجبة ، ولكن هذا النظام سيبقينا على قيد الحياة لمدة 7 أشهر فقط ، والله وحده كان أعلم بكم الوقت الذى سنقضيه على متن ذلك المكوك .
بعد انقضاء الأشهر ال7 الأولى ونفاذ ما لدينا من الطعام و الماء بدأت المعاناة الحقيقية . ليس من الغريب أن تجد أن البشر يتحولون إلى أسوء مخلوق هم ذاتهم يخافون منه ، ففى الأوقات الصعبة يتحول البشر إلى حيوانات متوحشة لديها العقل الذى يمكن أن تستخدمه لتسفك الدماء و تزهق الأرواح وتفسد الفطرة ، وهذا ما بدأت علاماته تبدو علينا فى الشهر الأول بعد نفاذ ما لدينا من مؤن ، فقد حاول قاهر أكثر من مرة أن يؤذى سارة وذلك لأنه اتهمها بأنها هى السبب فى نفاذ الطعام والماء لدرجة أنه أراد فى إحدى المرات أن يقتلها ، وباقيتنا لم نكن أفضل حالا من قاهر ، فقد شككنا ببعضنا البعض واتهمنا بعضنا البعض بالسرقة ، وأوشكت الأمور أن تنقلب إلى حرب بيننا قد نقتل فيها كلنا فى النهاية .
بعد الحادثة التى حاول فيها قاهر أن يقتل سارة ، أمرت عابد بحبس قاهر فى المخزن وكانت هذه هى نقطة البداية لكل الأحداث التالية ، فعلى ما يبدو أن شام كذلك كان يظن أن سارة كانت تقسم المؤن يوميا بشكل غير متساو وهذا فى رأيه سبب نفاذ المؤن ولذلك قرر أن يحرر قاهر ، ليشكلا معا مجموعة تهدف إلى السيطرة على المكوك و القضاء على كل من فيه و أكلهم .
شئ مرعب أن تعيش فى مكان محدود وأنت تعلم أن هناك وحش يرغب فى القضاء عليك وإخراج أحشائك من جسدك لأكلها ، هذا الشعور هو الذى عشته أنا و عابد وعماد وسارة لمدة الأشهر الأربع القادمة ، ولم تكن هذه هى مشكلتنا الوحيدة ، فقد زاد عماد توترنا وأثقل كاهلنا أكثر عندما أخبرنا بأنه قد تبقت ثلاث أشهر لينفذ الأكسجين على المركبة .
فى الشهر الأول استطعنا أن نعثر على بعض المعلبات الغذائية فى كبسولات النجاة ، والتى تستطيع ان توفر لنا الماء اللازم والطعام لمدة شهر إذا استعملنا معلب واحد فى اليوم ، ولذلك كنا نستعمل فى اليوم الواحد ربع معلب أو أقل حتى ننجو فى هذه الظروف الصعبة ، طبعا قاهر وشام لم يكونا يعرفان أننا وجدنا هذا الطعام ولم يكونا يعرفان مكاننا كذلك وهذا ما ضمن لنا الحياة على هذا المكوك لفترة ، ولكن على ما يبدو أنهما قد استطاعا إيجاد بعض الطعام و الماء فى المخزن الذى كان قاهر محبوسا فيه وهذا قد ضمن لهما النجاة كذلك .
بعد فترة سمعنا ولأول مرة منذ 7 أشهر ونصف صوت محركات المكوك تعمل ، على ما يبدو أن شام وقاهر قد استطاعا إصلاح المكوك ، ولكننا لم نعلم إلى أين يأخذان المكوك أو ما الذى يفعلانه .
بعد شهر واثناء تنقلنا من مخبأنا فى إحدى ممرات التهوية إلى غرفة الأكسجين وذلك لنضمن قربنا من مصدر الأكسجين على المكوك و لنحاول قطع الأكسجين عن باقى المكوك لتوفيره وللقضاء على قاهر و شام إذا لم يعودا لرشدهما ، وبذلك نستطيع توفير الأكسين ليبقى لفترة أطول .
استطاع شام أن يرانا فصعقنا بإحدى الأسلحة الموجودة بحوذته فتجمدنا فى مكاننا ولم نستطيع الحركة ، وظللنا على هذا الوضع تقريبا لمدة ساعتين ، وما أن استطعنا استعادة السيطرة على أجسادنا بدأنا بالركض بأسرع ما يمكن لنكمل ما بدأناه ولكن المسكينة سارة لم تستطع أن تأتى معنا.
عندما بدأنا بالركض سمعنا صوتها تصرخ وتطلب النجدة ، وعندما نظرنا خلفنا وجدنا قاهر و شام ممسكان بها و عندما قررت أن أعود لأحررها أمسك بى عابد و عماد ومنعانى من ذلك وعندها رأيت بأم عينى الوحشية البشرية عندما تتجلى فى أبشع صورها ، فقد ذبحاها دون رحمة أو شفقة ، وقد أنعش هذا المنظر ذاكرتى فتذكرت تلك الحادثة التى مات فيها أبى وأخى أمامى ، غير أن المنظر هذه المرة كان أبشع ، فبعد أن ذبحاها قطعا وجناتها وأكلوها نيئة ، و شربوا من دمائها المتناثرة ، كما لو أنهم حيوانات متوحشة ، وقد كانا يبدوان بالفعل كالحيوانات ، فقد كانت اسنانهما صفراء وعينيهما حمراوتان ، وهناك بعض التشوهات فى أجسادهما جراء قطع بآلة حادة ، فعلى ما يبدوا أنها كانا يأكلان من بعضهما البعض طوال تلك الفترة السابقة .
هذا المنظر البشع لن أنساه لبقية حياتى .
بعد هذا المنظر البشع وعندما ذهبنا إلى غرفة الأكسجين وأحكمنا إغلاقها علينا لنمنع أى شئ من الدخول إليها ، لم أستطع أن أنام جيدا أو أتكلم واستمر هذا الحال لفترة .
عندما أغلقنا غرفة الأكسجين علينا لم يعد هناك من يتنفس على متن المكوك سوى ثلاث أشخاص فقط وهذا منحنا كمية من الأكسجين تكفينا لمدة شهر أخر زيادة على الأشهر الثلاث التى حددها لنا عماد والتى انقضى منها شهران بالفعل .
على ما يبدو أن قاهر و شام قد بحثا فى كبسولات النجاة كما فعلنا نحن لنجد الطعام وعلى ما يبدو أنهم وجدوا بعض أسطوانات الأكسجين ، وذلك لأنهم حاولوا مرارا وتكرارا أن يدخلوا الغرفة التى نحن نتخذها مأوى لنا طوال شهر ، وحمدا لله لأنهم لم ينجحوا .
عن السرب ~
قد يتبادر إلى ذهنكم هذا السؤال : "لماذا حلت نڤارين إتحاد الثورة و أقامت ما يسمى بالسرب ؟"
بما أننى قد أشتقت كثيرا للوطن والسرب ومن فيه فعلى أن أكتب عنه علنى ألقى الوناسة فى ذلك ، فى الحقيقة إتحاد الثورة كان شئ عظيم ومبنى على مبدأ عظيم وحله وإقامة السرب لم يكن مجرد تغيير فى الأسماء أو الرايات فحسب ولكنه كان تغييرا جذريا فى الفكر وفى المبدأ والعقلية .
فـإتحاد الثورة كان هدفه الأساسى هو تحرير مستعمرة نڤاريا من بأس عاطف وجنوده وبعد ذلك يسلمون الحكم للشعب وبهذا ينتهى الأمر .
أما السرب فهو حلم أكبر وغاية عظمى وهذا الحلم كان إنشاء المجتمع المثالى والغاية كانت نشر الوعى لدى الجميع ليستطيع الجميع إنشاء هذا المجتمع المثالى الذى نحلم به ، وتحت الحلم والغاية تقع العديد من البنود الأخرى مثل : الحرية ، التعاون ، الرقى الفكرى و الابتكار .
ولهذا فإنك إذا ركزت قليلا فستجد أن السرب هو دعوة للإصلاح ، ولهذا فأنك لن تجد السرب فقط هو ذلك الجيش القوى العادل الذى يستعمر الكواكب الجديدة ويحرر المستعمرات التى تعرضت للظلم والطغيان ، ولكن السرب أيضا هو المؤسسات المدنية التى تعمل على نشر الوعى وتعمل على المناداة بالحقوق و على إصلاح المجتمع ، و هو أيضا مجموعة الشركات والمصانع والمزارع الكبرى التى تساهم فى البنية الأساسية للمجتمعات ، وهو أيضا المجمعات والمراكز البحثية الضخمة التى تعمل على إبتكار وتطوير ما يجعل من حياة الناس أسهل وما يهيئ لهم سبل معيشة أفضل ، وهو أيضا مراكز التدريب التى تعمل على تدريب الناس على كل شئ ، فهى تدرب الجنود ليصبحوا مقاتلين أفضل وتدرب التلاميذ ليصبحوا بناة الغد وتدرب المعلمين والموظفين والفلاحين والأطباء والمدنيين وحتى الأشخاص العاديين .
هذا هو السرب فى إيجاز.
شجعنا بتعليقك