مشروع رواية : الفصل الثانى

كُتبت بواسطة
رحلة إلى أعماق المجهول
ساعدنى جارنا خالد أقرب الأصدقاء إلى أبى على  دفن أبى وأخى ، كما أشرف على مراسم العزاء ووقف بجانبى وساندنى حتى اجتزت الصدمة التى حلت بى ، وفجأة أختفى ولم أعد أراه !
و إذا نظرت إلى حال أهل قريتنا ، فستجد أن الثورة فى نفوسهم قد اشتعلت ، وستجد أن القرية قد سادها جو من التمرد ، فالمزارعون لم يعودوا يدفعون الضرائب ، كما أنهم قد قاموا بقتل حاكم القرية .
وهذا قد أثار عاطف وهبت الغيرة والحقد و الغضب فى أرجاء نفسه ، فأمر بعدما استمع إلى تلك الأخبار بفرض حظر التجول من الساعة 24 مساءاً حتى الساعة 24 صباحا ، وأمر بتكثيف القوات فى قريتنا ، وتلك كانت بذرة لما يسمى بـإتحاد الثورة ، فبعد تلك الأوامر الظالمة لم يطق أهل القرية هذا الظلم ، فتجمع كل المظلومين فى إتحاد خاص بهم قرر مجابهة عاطف و تخليص العالم منه ومن ظلمه .
بعد سنتين إنتهيت فيهما من دراستى ، وحصلت على شهادتى قررت أن أتدرب لتحقيق قسمى والإنتقام ، وانطلقت نحو الغابة لأجد مقر إتحاد الثورة فالشائعات تقول أن المقر موجود فى قلب الغابة ، مما دفع جنود عاطف إلى تمشيط الغابة مرارا وتكرارا ولكنهم لم يجدوا شيئا ، سوى أنهم فى كل مرة يمشطون الغابة يفقدون جزءاً كبيراً من القوات المكلفة بالمهمة ، لذلك ظن الناس أن الشائعات صحيحة وأن المقر فعلا فى الغابة لذلك يُقتل الجنود الذين يكتشفون المقر ، وظللت سنة أتجول فى الغابة ولم أجد شيئا وخلال تلك السنة إستطعت التدريب و إجادة العديد من فنون القتال كما قمت بترويض أحد حيوانات الـفيرز وأطلقت عليها إسم فيلين وهى حيوانات حجمها تقريبا كحجم الحصان ، وجسمها مرن كأجسام القطط ، وسريعة كالفهود ، ولها حواس مدهشة كحواس الكلاب ,ولها ذكاء حاد كذكاء الدلافين ، ومنظرها شبيه بالنمور إلى حد كبير ولكنها تختلف عنها بأنها تمتلك قرون فى رأسها ، لا أعرف ولكن أظن أن قرارى بالإنعزال عن الناس هو ما قادنى لترويض أحد هذه الحيوانات الشرسة ، ولكن فى الحقيقة إن فيلين نفعتنى كثيرا ، فقد أنقذتنى عدة مرات من الـفيرز الأخرى ، كما أنها وسيلة تنقل رائعة ، و لولاها لما أستطعت بناء بيت الشجرة الذى اتخذته مقرا لى ، ولما أستطعت أسر العديد من جنود إتحاد الأرض .
بعد ثلاث سنوات إختفيت فيها وانعزلت على الناس وتحولت إلى مقاتلة تأسر الجنود وتستخلص منهم المعلومات وتقتل القادة الفاسدين وتقوم بإغتيال الحكام المعينين من قبل إتحاد الأرض , على ما يبدو أننى قد تحولت إلى أسطورة ، فالجنود الذين قد تم أسرهم عندما أحررهم يتحدثون عن مقاتلة أسطورية لديها مهارات عجيبة تستطيع وحدها أن تهزم أقوى الفيالق حتى لا يستهزئ بهم زملائهم الذين لم يرونى ولم تتسن لهم الفرصة لمواجهتى ، وأنتشر بين الناس وجود مقاتلة أسطورية تحارب الإتحاد .
بالطبع عندما تكون الأسطورة فى بدايتها يبحث الناس عنها آملين أن تكون حقيقة فتخلصهم مما هم فيه من مآسى ، ولذلك كثيرا ما اختبأت بالأيام حتى لايجدنى الناس فتنكشف خططى وتفسد المساعى التى أسعى إليها .
على ما يبدو أن الناس الذين يبحثون عنى لم يكونوا وحدهم ، ففى يوم 166/56 ب.إ وعند عودتى من إحدى جولاتى الإستطلاعية إلى بيت الشجرة فوجئت بوجود عدد كبير من الرجال والنساء يبدو عليهم أنهم مقاتلون مثلى و لا تبدو ملامحهم من بعيد غريبة عنى ، ولأن بيت الشجرة يوجد فى مكان عالى بين أشجار كثيفة ، فلا يستطيع أحد رؤيته من السماء ولا من على الأرض و لا يستطيع أحد الوصول إليه إلا عبر ممرات سرية فى جوف الأشجار لا يعلم بها أحد سواى ، فقد شككت فى معرفتى بهؤلاء الأشخاص و شككت بأنهم يراقبوننى منذ مدة كبيرة من الزمن ، لذلك لم أتردد فى الدخول لبيت الشجرة وإكتشاف هويتهم وخصوصاً أننى عندما إقتربت من الباب وجدتهم قد وضعوا أسلحتهم خارج البيت ، تماماً كما أفعل .
عندما دخلت البيت لم أجدهم قد تفاجئوا أو شئ من هذا القبيل ولكنهم قد أرتدوا قلنسوات على رؤسهم تخفى وجوههم فلا استطيع رؤية ملامحهم ، ووجدت شخص يتحدث إلى يبدو من صوته أنه عجوز ويتحدث كما لو أنه على وشك مفارقة الحياة ويقول : يا بنيتى أنت تعرفين جيدا من نحن وقد تكونى قد تعرفتى إلى أكثرنا خلال مراحل حياتك المختلفة ، كما أنك قد جئتى إلى الغابة فى بادئ الأمر أساسا للبحث عنا .
فقلت : إتحاد الثورة .
فرد الرجل وقال : تماماً .
قلت : إذا كنتم تعرفون أننى أبحث عنكم ، وتعرفون أننى موجودة هنا ، فلماذا لم تظهروا قبلاً ؟
قال الرجل : لم تكونى جاهزة بعد .
قلت : جاهزة لماذا ؟
قال : لأن تكونى واحدة منا .
قلت : حسناً، أياً يكن ، ما الذى  تريدونه ؟
قال العجوز : نحن حرصنا على الإختفاء من المجتمع والإنعزال عنه برغم عيشنا فى وسط الناس كأشخاص عاديين ، وكنا ننشر الخوف فى قلوب الناس بالحكايات التى نصوغها حولنا وحول المكان الذى اتخذناه مقراً لنا ، ولكن أنت لم تفعلى أياً من ذلك فكل ما فعلتيه كان التخطيط للقيام بما تريدينه ، وببساطة أصبحتى أسطورة يلاحقها الجميع .
قلت : ما المشكلة فى ذلك ؟ فالناس دوماً يبحثون عمن يحررهم من مآسيهم وإن كانت أساطير أو حقيقة ، فهم يبحثون عن الكنز للتخلص من فقرهم ، ويبحثون عن إكسير الحياة للتخلص من خوفهم من الموت ، ويبحثون عن القرية المثالية للتخلص من المجتمع ومشاكله ، ويبحثون عن أطلانتس والمدن التاريخية المفقودة للتخلص من جهلهم بالماضى وخوفهم من المستقبل ، هذه فطرة البشر..... صنع الأسطورة من اللاشئ ، فهل تلومنى على ذلك ؟
قال : أنا لا ألومك على شئ ولكن نشاطك سيؤدى عاجلاً أم آجلاً إلى إكتشاف مقرنا ، ولذلك نحن نريدك أن ترحلى من الغابة أو توقفى نشاطاتك .
قلت : إذا أنتم لا تظهرون إلا عندما تتهدد مصالحكم ، فما الفرق بينكم وبين عاطف وجنوده إذا ؟ ما تقوله لن أوافق عليه أبدا وتشرفت بزيارتكم لمنزلى المتواضع .
فقام الرجل ومن معه بكشف وجوههم عبر إزالة القلنسوات من على رؤوسهم فبهرت بما رأيته ، فالرجل العجوز كان صديق أبى خالد وبقية الأشخاص كانوا أصدقاء أبى القدامى و زملائه وبعض جيراننا . 
فقال خالد : لقد أثبتى اليوم جدارتك وإستحقاقك لما سنوكلك به ، فكما رأيتى أصبحنا عجزة وأصابنا الدهر بسهامه ، ولم نعد نستطيع المقاومة كما كنا من قبل ، لذلك نوكلك رئاسة إتحاد الثورة و لك الأمر الآن فى مصير الإتحاد ، أقسم أننى لن أخون عهد السريـة المتفق عليه ولن أحارب إلا لأجل الحق ولن أعصى أوامر القائد وسأكون صوت الضعيف و ذراعه ، وسأكون سيف الحق وحتف الباطل .
وردد جميع الجلوس ذلك القسم وأنا أقف فى وسطهم مصدومة لا أدرى ما الذى حصل ولا أعرف ماذا أقول ولا أجد ما أقوله ، كنت أقف هناك فقط ، هذا كل ما فعلته ، كنت أقف كمن أكل القط لسانه و أصاب الشلل بدنه .

شارك هذا الموضوع

شجعنا بتعليقك

أحدث مواضيع إفهمنى

حبايبنا

بإيدك تغير

إفهمنى